عن علم الابداع
نحو التأصيل لعلم الإبداع
أيمن عامر
يمثل “علم الإبداع الترجمة العملية للدعوة الحديثة التي تشير إلى أهمية العودة إلى الاهتمام بالنظرة التكاملية للظواهر الإنسانية وضرورتها، وإعطاء مزيدٍ من الدعم للجهود المبذولة لإثراء “التخصصات العلمية البينية”.
والإبداع من هذه الزاوية، من أكثر المباحث العلمية التي ينطبق عليها هذا القول، فالاهتمام بالإبداع لا يجمع بين تخصصين بينيين فقط، مثلما هو الحال في الهندسة الطبية (التي تجمع بين علم الهندسة وعلم الطب)، أو الكيمياء الحيوية (التي تجمع بين علم الكيمياء وعلم الأحياء)، ولكنه تخصص بيني يجمع بين عدة تخصصات نوعية؛ حيث يجمع بين المشتغلين في علم نفس الإبداع، وعلم اجتماع الفن، وفلسفة الفن، وتاريخ الفنون الجميلة والتطبيقية، والمعنيين بالنقد الأدبي والفني، والهندسة المعمارية، وتكنولوجيا المعلومات، والاختراع والبحث العلمي.
وهذا العلم الناشئ يحاول أن يستفيد من كل أفرع العلم السابقة مجتمعة، ويحاول أن يكامل بين ما يقدمه كل تخصص على المستوى النظري، والمنهجي، والتطبيقي.
وبتشكل هذا العلم قد يتم التغلب على عديد من المشكلات التي كثيرا ما أشار الباحثون إلى إطراد تفاقمها، وعلى رأسها:
- تفتت مناحي تناول الظاهرة الواحدة وتجزرها،
- وغياب النظرية الشاملة الموجهة لمختلف توجهات تناول الظاهرة الإبداعية،
- وغياب اللغة المشتركة بين المهتمين بموضوع واحد .
- ومن ثم يعتقد بعض الباحثين أنّ هذا الفرع الجديد سيُقدم مساهمة “ثورية” في حلّ المشكلات التي تواجه الأفراد، والشركات، والمنظمات، والبلدان، والمجتمعات في القرن الحادي والعشرين (Dung, 1996).
وقضية نشأة علم مستقل للإبداع، قضية ذات شقين،
أولاهما يتعلق بالمبررات العلمية الدافعة إلى ذلك (لماذا علمٌ مستقلٌ للإبداع) ،
والشق الثاني يتعلق بالمبررات الأكاديمية لإنشاء برنامج أو تخصص تعليمي أكاديمي عن علم الإبداع،
وهو ما تحاول الدراسة الراهنة إلقاء الضوء عليهما.
وتنقسم الورقة البحثية الراهنة إلى ثلاثة أقسام:
الأول: يتعلق بتقديم المبررات وراء إنشاء علم للإبداع، والجهود السابقة في هذا الصدد.
الثاني: يتعلق بخطة التأسيس لهذا العلم الوليد.
الثالث: يتعلق باستعراض أهم عنصر في خطة التأسيس لهذا العلم، المتمثل في التصنيف؛ حيث سيتم استعراض “النموذج المقترح من قِبل المؤلف لتصنيف مجالات علم الإبداع”.
لماذا علم للإبداع؟
يمكن بلورة أهم المبررات، والدعائم التي تدعو إلى الاقتراح بإنشاء علم مستقل للإبداع، في عدة مبررات عامة، منها ما يلي:
- اتساع رقعة الاهتمام بدراسة الإبداع وتشعب مناحي تناوله.
- الحاجة إلى تكامل العلوم المعنية بالظاهرة الإبداعية.
- الحاجة إلى دراسة موضوع الإبداع الواحد من مختلف مداخله.
- السوابق التاريخية لتأسيس علوم بينية.
ما السبيل إلى تأسيس علم للإبداع
(تصور إجرائي مقترح: عامر 2014)
في ضوء التصور الراهن الذي يقترحه الباحث الحالي (ايمن عامر ، 2012-2014-2015) ، تتطلب الجهود الإجرائية لتأسيس علم للإبداع، أربعة عناصر أساسية من شأنها أن ترسم الخطوط العامة للتأصيل لهذا العلم الوليد.
الإجراء الأول: وضع نموذج تصنيفي لمجالات الإبداع لتنظيم الجهود واقتراح المجالات والموضوعات الجديدة لدراسته.
الإجراء الثاني: إعداد معجم شامل ومصنف لمفاهيم ومصطلحات الإبداع، وفقا للنموذج التصنيفي المقترح.
الإجراء الثالث: حصر الجهود التي بذلت على المستوى التنظيري، والقياسي، والتطبيقي عبر إنشاء قاعدة بيانات لبحوث ودراسات الإبداع تبنى على أساس مصطلحات عناصر النموذج التصنيفي.
الإجراء الرابع: إنشاء برنامج/أو قسم أكاديمي، ودبلوم متخصص، وبرنامج للدراسات العليا في علم الإبداع، بحيث تغطي مقرراته مكونات النموذج التصنيفي المقترح.
المرجع
أيمن عامر. (2014). نحو التأصيل لعلم الإبداع: التكامل المنشود بين التخصصات الاكاديمية. القاهرة: مطبوعات مركز بحوث الموهبة والابداع كلية الاداب جامعة القاهرة