-->

نحو التأصيل لعلم الإبداع: (التكامل المنشود بين التخصصات الاكاديمية)

رغم تعدد التخصصات الاكاديمية المهتمة بدراسة الإبداع داخل الجامعات وخارجها، لايوجد الي الآن ما يجمع بين هذه الجهود المتوازية والمتراكمة ، فكل تخصص لايطلع بالشكل الكافى علي ماتوصلت إليه التخصصات الأخرى ، ولم تظهر إلى الآن لغة مشتركة بين الباحثين المهتمين بالابداع تساعد على الاستفادة المتبادلة بينهم في هذا الشأن ، ومن هنا جاء الاهتمام الحديث بالسعى إلى تكوين فرع علمي مستقل يُعنى بدراسة الإبداع، تحت مسمى “علم الإبداع” “Creatology”. وهو مسعى يهدف إلى خلق جذور التلاقي بين مختلف التخصصات – من ناحية – وخلق لغة مشتركة بينها من ناحية ثانية ، وتوجية جهود تنمية الإبداع ونشر ثقافته من ناحية ثالثة.

في ضوء ذلك،  تحاول الدراسة الراهنة المساهمة في التأصيل  لهذا العلم ، الذي اقترح مسماه العالم ستيفن مجارى بيك    Beck Istvans Magyari عام 1990، وتحاول دراستنا ان تكون أحدى الترجمات العملية لهذه الفكرة النظرية.

ومثلما حدث داخل عديد من العلوم الأخرى خلال مراحل وضع اللبنات الأساسية لتأسيسها كفرع منفصل  للمعرفة أو كعلم مستقل بذاته ، بسيرها في اتجاه وضع نظام تصنيفي للموضوع محل اهتمامها ، تقدم الدراسة الراهنة محاولة شبيهة ، تتمثل في وضع نظام تصنيفي للاهتمامات البحثية وللجهود المبذولة في مجال دراسة علم الابداع .

فتحاول الدراسة الراهنة ، أن تستعرض _في البداية _ التاريخ المشترك لدراسة الابداع والاهتمامات المحورية المتعلقة بالمفهوم داخل مختلف التخصصات العلمية ، والتي منها  جهود المشتغلين في علم نفس الإبداع ، وعلم اجتماع الفن والادب ، و فلسفة الجمال، وتاريخ الفنون الجميلة والتطبيقية ، والنقد الأدبي والفني ، والهندسة المعمارية ، وتكنولوجيا المعلومات، والعلوم.

تنتقل الدراسة بعد ذلك لتقدم نموذجا مقترحا _من قِبل الباحث_ لتصنيف دراسات الإبداع (النموذج الخماسي لمجالات الإبداع) ، انطلاقا من تصور ينظر الي أن وضع إطار تصنيفي لدراسات الإبداع من شأنه أن يحقق عدة أهداف ذات دلالة في بناء هذا الفرع العلمى، فهو من ناحية،  يُمكن من حصر الاهتمامات البحثية التي تجري في مجال الإبداع عبر مختلف التخصصات الاكاديمية، ومن ناحية ثانية، يرشد الباحثون إلي المجالات التي لم تلق الاهتمام الكافي وتحتاج إلي مزيد من البحث (مما يدفع في اتجاه الاهتمام بها وتكثيف دراستها) ، ومن ناحية ثالثة، يوجه البحوث في اتجاه الوصول إلي نظريات نوعية تتعلق بكل مجال نوعي في ضوء ما توافر من معرفة امبريقية ونظرية، وهو ما من شأنه التمهيد لوضع بناء نظري متكامل، أو نظرية شاملة لتفسير السلوك الإبداعي، وتوجيه جهود تنميته، وتعليمة، وتدريسه.