مائة طريقة لتعلم فنون اللوع
وَعَدنا في المقال السابق أن نخصص المقال الراهن لشرح طبيعة العلاقة بين علم اللوع وباقي العلوم الأخرى ( كعلم السياسة ، وعلم البيزنس وغيرهما من
العلوم ) . وقدمنا هذا الوعد بعد أن طرحنا تعريفاً واضحاً لهذا العلم الواسع ، فأشرنا إلي أنه يبحث في فنون المراوغة باستخدام كافة الأساليب ( المشروعة أوغير
المشروعة ) ، وذلك لتحقيق المصالح والأهداف الشخصية ، بصرف النظر عن القيمة الأخلاقية لهذه الأهداف. وأوضحنا كذلك أن عمر هذا العلم من عمر البشرية نفسها ، فهو كما وصفه الشاعر الكبير صلاح چاهين في إحدي رباعياته ” أضخم كتاب في الأرض ” ومن بين جلدتي هذا الكتاب – غير المكتوب – نقرأ السطور التالية .
تعد العلاقة بين علم اللوع من ناحية ، وعلمي السياسة والبيزنس من ناحية أخرى ، علاقة مركبة ومعقدة ، فيري البعض أن قدر التشابه بين هذه العلوم الثلاثة تجعلهم في بعض الأحيان وكأنهم صور مختلفة لعلم واحد أعم هو علم اللوع العام . وبالتالي يتفرع عن هذا العلم الواسع ثلاثة علوم أصغر هي : علم اللوع السياسي ، وعلم اللوع الاقتصادي ، وعلم اللوع الاجتماعي .
أما الشُراح الموضوعيون فينظرون إلي علم اللوع باعتباره وسيلة ، وليس علماً مستقلاً . فهو مثل المنطق والرياضة تستفيد منهما كل العلوم التجريبية ، مع أنهما ليسا من ضمن هذه العلوم .
وبعيداً عن هذه الخلافات ، ظهر من نادي بضرورة تحديد المهارات الضرورية التي يجب أن يتعلمها الفرد حتي يتقن هذا العلم الغارق في القدم ولأن علوم السياسة ، والعلاقات الدولية ، والاقتصاد وإدارة الأعمال هي أكثر العلوم التي تربطها وشائج وثيقة بعلم اللوع ، فإننا نسوق للقارئ الكريم بعض المهارات التي تضمنتها أدبيات هذه العلوم . ولن نستمد أمثلتنا من الشواهد الواقعية لممارسات المشتغلين بها ، فهي أكثر مما تحصي ، ولكننا سنستمدها من مجال آخر ، يعد أحد الأركان الأساسية لمن يطلب النجاح العملي في السياسة ، أو البيزنس ( الشخصي منه أو الدولي ) ، وهذا المجال هو ما يعرف باسم فن التفاوض .
فمن أهم المهارات التي يتقنها السياسي المحنك ، والتاجر المخضرم ، مهارة التفاوض مع طرف آخر للحصول في النهاية علي ما يريد . أما المبتدئ فعليه أن يتعلم قواعد هذا الفن .
ونظرة سريعة في بعض ما تضمه كتب التفاوض من قواعد ، يمكن أن تضع أيدينا علي أهم مهارات اللوع التي يعتمد عليها السياسيون في إدارة شئون عملهم ، والتجار في كسب صفقاتهم ، ورجال البيزنس في التغلب علي خصومهم . وإلي القارئ العزيز بعض هذه القواعد المنتقاة من بين مائة قاعدة أشاد بها بعض المتخصصين في فن التفاوض :
- لا تقبل العرض الأول الذي يعرضه عليك خصمك للوصول إلي الحل .
- أشعر خصمك أنك مازلت حائراً ومتردداً في قبول طلبه ، بحيث تجعله يلهث ورائك من أجل هذه الموافقة .
- لا تبدأ أبداً بالكلام ، فأي كلام هو معلومات يكسبها خصمك ( اشتري من محدثك ولا تبيع له ) .
- تظاهر بالجهل ، فأصعب شئ أن يتفاوض شخص صاحب مصلحة مع جاهل بلا قلب .
- كن كالحمل الوديع ، تظاهر دائماً بأنك تسعي للسلام وتبديد الخلافات .
- اجعل خصمك يشم الرائحة المحببة إليه ، لذا لوح له ببعض المغريات التي يمكن أن ينجذب إليها .
- أشعر خصمك أنك جاد وصعب ولكنك خفيف الظل .
- حاول في بداية التفاوض أن يكون هدفك هو كسب رضا خصمك قبل كسب ماله ، أو موقفه .
- تضامن مع خصمك في بعض المواقف حتي تجعله يعتقد أنه لا يوجد خلاف.
( داهنه )
10- حاول أن تضخم من الأمور سواء أكانت عيوباً في خصمك أم مميزات فيك حسبما يخدم هدفك ، دون أن تجعل هذا التكتيك مشكوفاً أمام مفاوضك .
11- ضخم من العيوب لتحصل علي تنازل .
12- استخدم الإحصاءات للتهويل ، وإدعاء المصداقية .
13- أشعر خصمك دائماً أنه سيتسبب في عدم إتمام الصفقة أو الوصول إلي الحل .
14- قدم بيانات مضللة ضمن مجموعة من البيانات الحقيقية حتي تصرف خصمك عن التفكير فيما هو مهم من كثرة واختلاط البيانات .
15- إذا لم تستطع الحصول علي تنازل من خصمك أحصل منه علي وعد .
16- أوهم خصمك أنك تحمل شاكوشاً ، لا تهدد به ولكن اجعله معلقاً في الهواء أمام نظر مفاوضك .
17- كن كالنحلة ابدأ بالإلحاح والتكرار ( والزن ) وتأكيد ما تريد الحصول عليه ، ثم الدغ ، واهرب .
18- كن مستعداً دائماً لأن تفاجئ خصمك بما لا يتوقعه .
19- افتعل خلافاً قبل أن توقع مباشرة علي عقد الاتفاق ، فقد يقدم خصمك تنازلاً جديدا .
20- استخدم بالونات الاختبار حتي تجس نبض مفاوضك لتحدد خطوته القادمة .
21- كن شكاكاً ولا تأخذ أي شئ علي أنه مسلمة ، واعتبر خصمك مداناًً إلي أن تثبت براءته ، وابحث دائماً عن المعني الخفي وراء ما يقوله .
إن نظرة سريعة علي القواعد السابقة – التي تمثل بعضاً من كل – شف لنا عن المهارات الأساسية اللازمة للوع ، في أهم مجالين من مجالاته ، وهما السياسة والبيزنس. فيتطلب اللوع السياسي والتجاري إظهار الفرد أمام خصمه لعكس ما يبطن ، كالتظاهر بالتردد ، أو الاستغناء ، الغموض أو حتي إدعاء الجهل. كما يتطلب قدراً من المداهنة ، والقدرة علي إغراء الآخر ورشوته ، والإلحاح عليه ، مع قدر آخر من المباغتة ، بمفاجأة الخصم ، واللدغ مع الهرب ، وفرض سياسة الأمر الواقع . إلي جانب الترهيب من خلال التهويل ، والتدليس ، وتزييف الحقائق ، والتلويح بالقوة ، وإثارة المتاعب للخصم . ويحمي ذلك كله وجود قدر من الشك والحيطة .
وسؤالنا الآن هل إتقان مهارات اللوع هذه ضروري أيضاً في حياتنا اليومية ؟ الإجابة عن هذا السؤال هو موضوع مقالنا القادم .