كيف تصبح ملكًا

أيمن عامر
نشرت في جريدة الايام العربية بتاريخ
وفي عيد ميلاد د. مصطفي سويف الخامس و الثمانين
وفي كتاب الابداع والصراع

تعلمنا في الصغر أن الصحة دائماً خير ، فهي تاج علي رؤوس الأصحاء. وأن المال غالباً خير فهو زينة الحياة الدنيا. وأن الوقت خيره بقدر شره ، فهو السيف الذي إن لم تقطعه قطعك.

وقد تمني كل منا أن يصبح ملكاً ، حتي يرتدي تاج الصحة الساطع ، ويمسك بسيف الوقت الباتر ، ويتنزين بالمال الوافر والساتر.

وخلال رحلة الحياة ، أمتطي كل منا حصانه ، ومضي في طريقه باحثاً عن مملكته. فأكتشفنا خلال هذه الرحلة ، أن الجهد ينفذ ، والطاقة تقل ، كلما أسرع بنا حصان الزمن ، فتشككنا في قدرة الجهد وحده علي تحقيق حلم السعادة. وأكتشفنا كذلك أن الزمن لا يتجدد ، فالدقيقة التي تمضي لا تعود مرة أخري ، فتشككنا في الزمن أيضاً ، ولم يبق أمام بعضنا سوي المال ، لتحقيق الآمال ، فهو أكثر عناصر الملك الثلاثة قابلية للزيادة والتجدد ، فالجهد والوقت دائماً في تناقص ، أما المال فعلي العكس فهو قابل للزيادة بقدر قابليته للتناقص. وخلال سعي الساعين لجلب المال وجمعه ، أكتشف الآملون فيه ، الوجه القبيح له ، فزيادته مرهونة بأنفاق الوقت والجهد ، وبالتالي أصبحت قدرة المال علي جلب السعادة محدودة ، طالما أن الوقت والجهد محدودان ومن غامر وتجاهل هذه الحقيقة ، رأيناه يقع من فوق حصان الزمن فاقداً مرة تاجه ، ومرة أخري سيفه ، ومرة ثالثة زينته.

وقد تأكد لنا أن الحلم بمملكة شاسعة ، مترامية الأطراف ، حلم زائف ، لأن إمكانات الإنسان محدودة ، وجهده ووقته محدودان.

إذن لا مفر – للوصول إلي الملك المنشود – غير اتباع سياسة الاستغناء والتقشف والتخطيط. تلك السياسة التي تتيح لصاحبها العيش لمدة طويلة وهو متوهم أنه ملك ، يستحوذ علي مقومات الملك الثلاثة : تاج الصحة ، وسيف الوقت ، وزينة المال.

فمن خلال الاستغناء ، يضع الفرد حدوداً موضوعية لمملكته بما يتناسب وحدود إمكاناته ووقته وجهده. ومن خلال التقشف وحسن إدارة مصادر الطاقة الشخصية ، يمكنه التغلب علي حجم الإهدار ، سواء أكان هذا الإهدار للجهد أو للوقت أو للمال ، أما التخطيط فهو وسيلته في إحداث التوازن الفعال بين الجهد والوقت والمال ، وهو وسيلته لتحديد هدفه الذي من أجله سوف ينفق هذا الجهد وهذا الوقت وهذا المال.

ويحول دون اعتلاء كرسي مملكة السعادة ، عديد من المعوقات ، فيمنع الطمع الزائد ( وكذلك الطموح المتفجر ) كثيرين من تطبيق سياسة الاستغناء ، فيبذلون من الجهد ما لا يحتمله بدنهم ، أو تطيقه أنفسهم ، وينفقون من الوقت في توسيع مملكتهم ، ما يفقدهم متعة الأستمتاع بالحياة نفسها ، فإذا ما بحثوا عن المال الكثير ليخففوا به أحمالهم ، يصير المال نفسه حملاً ثقيلاً ، يحتاج إلي بذل كثير من الجهد والوقت لجلبه وحمايته.

من ناحية أخري ، يؤدي الجهل وضيق الأفق إلي إهدار عناصر الملك الثلاثة : الوقت والجهد والمال فيما لا يفيد ، فإذا ما صاحب ذلك نقصاً في التخطيط ، أصبح الفرد أكثر عرضة لأفتقاد المعني في حياته.

والمتأمل لرجل الأعمال وهو يرمح بحصانه في مملكة المال ، ورجل الدولة وهو يصول ويجول في مملكة السلطة ، يمكنه أن يعي أهمية الأخذ بمبدأ الاستغناء ، أما المتأمل للعابثين بحياتهم فيستطيع أن يدرك علي الفور مظاهر الإهدار ، وقيمة التقشف في إنفاق الطاقة ، وأن يدرك – من ناحية أخري – أهمية التخطيط للحياة. ويتيح تأمل الفرد للمتطرفين سلوكياً ، أو فكرياً ، أو دينياً معرفة قيمة التوازن بين عناصر الملك الثلاثة.

إذن حلم الملك ليس حلماً بعيداً ، فالنجاح في تحديد الهدف الذي نسعي إليه ، والذي تنفق من أجله الجهد والوقت والمال ، ثم السعي لإحداث التوازن الكفء بين هذه العناصر الثلاثة يضع أقدامنا علي طريق التربع علي عرش السعادة. والسؤال الآن كيف لنا أن نحقق هذا التوازن ؟ ، إنه السؤال الذي يحتاج إجابة ممن يتربعون علي كراسي الملك الغالية.

أيمن عامر
نشرت في جريدة الايام العربية بتاريخ
وفي عيد ميلاد د. مصطفي سويف الخامس و الثمانين
وفي كتاب الابداع والصراع