كيف تصبح رئيسا للجمهورية

أيمن عامر
نشرت في جريدة الايام العربية بتاريخ
وفي كتاب الابداع والصراع

في إحدي المرات طلب مني أحد الأصدقاء – بوصفي سيكولوجيا – أن أساعده علي أختيار وظيفة ملائمة تناسبه ، فهو يعاني منذ تخرجه من الفراغ المراوغ ، ومشاعر البطالة القاتلة ، فأجبته بأنني من الممكن أن أساعده في أن يشتغل بأية وظيفة يحلم بها ، إذا ما حدد لي ما يرغبه ، وألتزم أمامي بإتباع بعض القواعد السلوكية والسيكولوجية. فقال : سأخراً من عباراتي المبالغ فيها – طالما الأمر كذلك ( أريد أن أصبح رئيساً للجمهورية ).

أستمررت في لهجتي الجادة وقلت :

  • هذا أيضاً ممكن جداً.

فضحك قائلاً :

– ألحقني إذن بوصفتك السحرية التي ستجعل من العبد الفقير رئيساً للجمهورية.

عندئذ بدأت أشرح له ما أقصده قائلاً :

– أنت تريد أن تكون رئيساً للجمهورية لتحقيق عدد من الأهداف المحددة ، قد يكون من بينها : شغل مكانة بارزة بين الآخرين وقيادتهم ، وإشباع بعض حاجاتك الشخصية من قبيل : الشهرة والسلطة والنفوذ والمال ، وتحقيق بعض ما تتبناه من قيم واتجاهات واهتمامات سياسية وأيديولوجية وفكرية ، فضلاً عن خدمة أبناء قومك ووطنك من هذا الموقع الكبير.

تابعني قائلاً – ” عين العقل “.

قلت :

– لتحقيق الأهداف السابقة أمامك طريقان : إما أن تضع خطة تؤدي منطقياً إلي إمكان تقلدك هذا المنصب الكبير ، وإما أن تخطط لتحقيق مترتبات شغلك لهذا المنصب.

قاطعني قائلاً :

– أنا فاهم أولاً ، لكني لم أفهم ماذا تقصد ثانياً.

قلت :

– ليس من الضروري أن يخطط المرء لتحقيق الهدف المباشر الذي يسعي إليه ، بل من الممكن أن يخطط لكسب المميزات المترتبة علي تحقيقه لهذا الهدف ، وهنا عليه أن يسأل نفسه مثلاً ” لماذا أريد أن أصبح رئيساً للجمهورية ؟ ، فستأتي إجابته لأشبع حاجتي إلي كذا .. وكذا .. وكذا. فإذا ما حقق أيا من المترتبات غير المباشرة ، فسيكون – علي المستوي السيكولوجي علي الأقل – قد أصبح ما أراده لنفسه ، كما أن الوسائل ستصير هي الأخري أكثر وضوحاً وسهولة في التحقيق.

تابعت أنفاسه المتلاحقة ، ثم أردفت :

وفي حالتك أيها الصديق العزيز ، إذا كنت مصمماً علي أن تتمتع بالمزايا النفسية التي ستحقق لك إذا أصبحت رئيساً للجمهورية ، عليك أن تشبع أهتماماتك ، واتجاهاتك السياسية والايديولوجية ، بأن تنضم إلي ( أو تسعي لتكوين ) جماعة جادة ، أو حزب فعال تتسق أهدافه وهذه الاهتمامات والاتجاهات ، وحتي تشبع حاجتك إلي قيادة الآخرين ، علم مجموعة من الأصدقاء الأقل منك علماً ما تؤمن به ، وساعدهم في التخطيط لتحقيق أهدافهم. أما إذا رغبت في أن يكون لك نفوذ ومال ، فأعمل بمهنة تتيح ذلك ، ووطد من خلالها علاقاتك ببعض الأصدقاء من ذوي النفوذ والمكانة. وإذا رغبت في الشهرة ، فلا ترفض أي دعوة من رجال الإعلام لتظهر علي صفحات جرائدهم ، أو علي شاشات تلفزيوناتهم ، وصادق أهل الخير ، وأنعم عليهم حتي يدعون لك في مجالسهم ، هذه بعض الطرائق المشروعة لتحقيق أهدافك النوعية ، والتي تحقق – إذا ما جمعت بينها جميعاً – هدفك الأساسي الذي تحلم له ، أما الطرائق غير المشروعة فهي أكثر من أن تحصي ، وليس عليك سوي الاختيار من بينها إذا أردت الالتفاف والتلوي.

تنهد صديقي تنهيدة طويلة ، وبلهجة مليئة بالعتاب ، صاح قائلاً :

– أخذتني إلي البحر ، وارجعتني عطشاناً ، وعدتني أن أصبح رئيساً للجمهورية – جسداً وروحاً – ثم أنتهي بي الأمر إلي مجرد مواطن عادي ، يجلس علي أرجوحة رئيس الجمهورية وليس علي كرسيه.

قلت :

– إذا كان هدفك أن تكون رئيساً للجمهورية روحاً وجسداً – وليس روحاً فقط – عليك أن تسلك الطريق الآخر ولكنه سيحتاج منك جهداً أكبر ، رغم أنه سوف يشبع لك الحاجات والرغبات نفسها.

قال صديقي :

  • ألحقني بهذا الطريق الآخر ، وأنا مستعد لبذل الجهد.

 

 

قلت له علي سبيل الديباجة لازمة الذكر :

– لتحقيق أية رغبة ، يجب أن تتفق وضع الخطط طويلة المدي ، وأن تدير حياتك اليومية ، والعملية علي نحو جاد ، فلا تسمح لذهنك أن يكون مشوشاً.

فقال الصديق متعجلاً الإجابة :

– إخبرني إذن كيف أضع خطة منظمة لتحقيق ما أريد ؟.

قلت :

– إليك رأي أهل الاختصاص في كيفية مواجهة أي مشكلة تتعرض لها ، وتحقيق أي هدف ترنو إليه. فينصح المتخصصون عند وضع أية خطة طويلة المدي أن تنظم فكرك ( وسلوكك أيضاً ) علي النحو التالي :

1- أن تحدد أهدافك بوضوح ، وتميز بين الهدف الرئيسي ، والأهداف النوعية ، ثم تقسم كل هدف عام إلي عدد من الأهداف النوعية ( كأن يكون الهدف الرئيسي هو أن أتقلد منصب رئيس الجمهورية ، عندئذ سيكون من بين الأهداف الوسيطة أن أنضم إلي الحزب كذا ، أو إلي الجماعة السياسية الفلانية ، أو أن أكتب في جريدة كذا ، وأن أكون عضواً فعالاً في جماعة كذا … إلخ ).

2- أن تجمع أكبر عدد من المعلومات اللازم معرفتها لتحقيق الهدف المنشود ( الشهادات التي يجب أن تحصل عليها للألتحاق بهذه الوظيفة. والمهارات الواجب أكتسابها لشغلها ، والوسائل المتاحة للوصول إليها ، والأفراد الذين يمكنهم أن يعينوني في مراحل تقدمي للحصول علي هذه الوظيفة .. إلخ ).

3- أن تحدد الإمكانات المتاحة لديك ( الميسرات ) ، والإمكانات غير المتاحة ( المعوقات ) ، ثم تضع خطة واضحة لكيفية أستغلال هذه الميسرات ، والتغلب علي تلك المعوقات.

4- أن تحدد أكبر عدد من البدائل التي تقربك من تحقيق كل هدف ، وأن تدرس مميزات وعيوب كل منها.

5- أن تحدد بوضوح المحكات أو المعايير التي سوف تستند إليها عند أختيار أفضل بديل من بين هذه البدائل.

6- أن تضع خطة عملية وواقعية لتحقيق الحلول التي أستقر عليها رأيك لتحقيق أهدافك.

ولضمان نجاحك في إنجاز هذه الخطة يجب أن تتحلي بعدة صفات أساسية ، أولها : القدرة علي مواصلة اتجاهك نحو الهدف المنشود ، فلا تتعجل في الوصول إلي هدفك ، ولا تجعل التفاصيل النوعية تثنيك عما هو أساسي فيه ، ولا تجعل المغريات تحرفك عنه ، أما ثاني هذه الصفات فهي التحلي بالمرونة الكافية لتعديل أهدافك النوعية إذا وقف أمامك عائق يصعب أختراقه ، والصفة الثالثة المكملة للصفة الأساسية هي أن تكون علي أستعداد دائم لتنمية ما ينقصك من مهارات ، أما الصفة الرابعة ، فهي أن تجيد خلق الفرص لنفسك مع حسن أستغلالها. فإذا ما نميت مهاراتك ، وتعاملت بجدية ، مع كل مهمة تطلب منك ، مهما تصغر ، فإنك تفتح أمام نفسك فرصاً جديدة ، ففي كل مجال سنتجد من يكلفك بمهام معينة تحتاج إلي مهارات خاصة ، فإذا تعاملت معها بالجدية الكافية ، فإنها ستتحول من مجرد مهمة إلي فرصة تقربك من هدفك المنشود.

إذن بإتباع الخطوات السابقة – وجعلها جزءاً من أسلوب حياتك – من الممكن تصور الطريق المؤدي إلي الهدف المنشود.

هنا قاطعني صديقي متسائلاً ، وعيناه مليئة بالحيرة والريبة مما أقوله :- طالما أنك تعرف هذه الوصفة السحرية لتكون رئيساً للجمهورية ، فلماذا لم تخطط لنفسك حتي تتقلد هذا المنصب المرموق ؟

قلت له وأنا أحاول أن أرسم أبتسامة هادئة علي وجهي : ” لأنني ببساطة لم أتمن في حياتي أن أكون رئيساً للجمهورية “.