اللوع الاجتماعي بين الذكاء والانتهازية
اتضح لنا في المقال السابق إن اللوع من أهم المهارات التي يحاول أن يتقنها السياسي المحنك ، والتاجر المخضرم ، ويُدرس عندئذ تحت ما يسمي لديهم بفن التفاوض ، وفي المقال الراهن نبحث عن إجابة عن سؤال آخر وهو : هل عالم النفس أيضاً من بين وظائفه تدريب الآخرين علي اللوع ؟
هناك عشرات المواقف التي يختلط في الأذهان دلالتها هل هي ذكاء اجتماعي أم لوع اجتماعي خذ علي سبيل المثال .
- المدير الذي يطلب من مرءوسه أن يفعل شيئاً غير قانوني ، فيلجأ المرءوس إلي الحيلة ليهرب من الموقف كأن يدعي أن يده متألمة أو أن يتهرب بشكل من الأشكال هل هذا ذكاء ومهارة أم لوع ومرواغة ؟
- الصديق الذي يطلب خدمة من صديقه ، ومن كثرة الخجل ، يطلب الخدمة بشكل غير مباشر ، فهل هذا خجل وحياء أم لوع وانتهازية ؟
- الشاب الذي يعجز عن الإفصاح عن مشاعره لزميلته فهل هذا خجل أم لوع ؟
- الشخص الذي يستقبل نقداً جارحاً من خصم له بالابتسام ، والهدوء ، حتي لا يفجر الخلاف هل هذا لوع وبرود أم نضج انفعالي ؟
- الشخص الذي يعترف بخطئه ، هل هو يلاوع محدثه أم أنه يرأب الصدع الذي كان من الممكن أن يتسرب إليه .
- التلميذ الذي يمتدح أستاذه علي شئ تعلمه منه ، والمرءوس الذي يثني علي شئ طيب فعله رئيسه في العمل ، هل هذا لوع في صورة نفاق ، وتملق أم هو نضج انفعالي ، وثقة في الذات ؟
- دفاع الشخص عن حقوقه ، باستخدام كل الطرائق المشروعة ، هل هو ذكاء ، أم عناد وتبجح ؟
يتضح لنا من الأمثلة السابقة أن التشابه الأساسي بين علم النفس وعلم اللوع هو أن الهدف من اللوع ، ومن المهارات التي يتدرب عالم النفس عليها برضاه هدفها الأساسي التوافق ولكن ، علاقة الوسائل بالأهداف والغايات هي ما تميز اللوع عن الذكاء .
إن التشابه الأساسي بين علم النفس وعلم اللوع يكمن في الموضوع الذي شغل اهتمام الباحثين في كل منهما ، يهتم كلا العلمين بموضوع أساسي هو التوافق لدي الأفراد أو الجماعات .
ويؤمن المشتغلون بعلم اللوع بمقولة ( ميكافيللي ) الشهيرة ” الغاية تبرر الوسيلة ” ، فكل الوسائل مباح استخدامها طالما أنها ستؤدي في النهاية إلي تحقيق الغايات المنشودة ، وبالطبع درجة أخلاقية هذه الغايات مرهونة بنظرة الشخص مستخدم الوسائل . فسحق العدو والانتصار عليه ، غاية نبيلة من منظور المنتصر ، وهي الخساسة بعينها من منظور المهزوم .
وفي المقابل ، يؤمن عالم النفس بأن الغاية النبيلة يصعب الوصول إليها دون اللجوء إلي وسائل نبيلة . وبالتالي لا يفصل عالم النفس بين الغاية والوسيلة . ومن هنا يأتي اهتمامه بتدريب الأفراد علي إتقان عديد من المهارات التكيفية حتي يسهل عليهم الوصول إلي الغايات المأمولة ، بشرط أن تكون الوسائل والغايات مما يقبله الضمير الإنساني لدي الفرد والمجتمع .