القائد المبدع
يعزو كثير من الباحثين الاجتماعيين ضعف أداء الأفراد والجماعات داخل مختلف المؤسسات الاجتماعية ( سواء المهنية أو التعليمية أو حتى الأسرية ) إلي سوء ترشيده هذه المؤسسات لطاقات أفرادها الخلاقة ، وسوء إدارة قادتها لمواقف حل المشكلات .
فتتسم الطريقة التقليدية التي تدار بها أغلب الاجتماعات التي تعقد داخل هذه المؤسسات بضعف الفعالية ، حيث تنتهي معظمها دون تحقيق كامل أهدافها ، واكتفاء المشاركين فيها بتحقيق الحد الأدني من الطموحات المأمولة . وهو ما يرجع – من ناحية أخري إلي افتقاد مناخ الاجتماع للأمان النفسي وحرية التعبير الكفيلين بحفز الأفراد وتشجيعهم علي طرح الأفكار الجديدة والمبتكرة ، ويرجع – أخيراً – إلي سوء استخدام القادة لمكانتهم … وهو موضوع المقال الراهن .
فكثير من القادة في مختلف مؤسساتنا يُسيئون استخدام سلطاتهم ونفوذهم ، فيفرضون علي باقي الأعضاء آراءهم ، علي أساس اعتقاد زائف بأنهم أكثر الأعضاء أهمية ، وأرفعهم مكانة ، وبالتالي يستحوذون علي معظم فترات الحديث ، ويوجهون مسار المناقشات بما يخدم أهدافهم الشخصية ، ويستأثرون باتخاذ القرارات ، مع توجيه الجماعة لقبول قراراتهم ، بدلا من التشجيع علي التأمل الخلاق ، والحفاظ علي تماسك الجماعة وإرضاء حاجات أعضائها .
ويطرح ( برنس ) – أحد المعنيين بالإبداع والإدارة – نموذجاً للقيادة المبدعة ، كبديل للنموذج السائد في معظم الاجتماعات التقليدية ، والذي يرتكز علي عدد من المحاور ، تمثل في مجموعها الأهداف والأولويات التي يجب أن تحكم عمل القائد أثناء قيادته للاجتماعات وهي : ألا يستخدم القائد مكانته ليفرض سلطته وآرائه علي باقي الأعضاء . كما عليه كذلك أن يحترم ويقدر كل عضو ، ويتجنب تشويه صورة أي فرد عن ذاته . وأن يشجع كل الأعضاء علي المشاركة الفعالة ، ويحترم أدوارهم ، مما يسمح بتوجيه انفعالات كل فرد تجاه المشكلة وليس ضد زملائه .
فالقائد الناجح يجب ألا يتنافس مع أعضاء فريقه ، بل عليه أن يعطي الأولوية في الاهتمام لأفكار أعضاء الفريق الذي يعمل تحت قيادته ، فيقدمها علي أفكاره ومقترحاته الخاصة حتي يتجنب شيوع مناخ تصارعي داخل الاجتماع . ويجد إلقادة – في العادة – صعوبة كبيرة في العمل بهذا المبدأ لعجزهم عن كبح رغباتهم المٌلحة في طرح ما يجول بخاطرهم من أفكار . كما أنهم لا يجدون مبرراً معقولاً للتوقف عن المساهمة بأفكارهم ، متي كانت مفيدة وبناءة ، وعلي الرغم من أن هذا القول من جانبهم ظاهره حق فإنه غالباً ما يؤدي إلي باطل ، فيصاحب عادة إسهامات القادة بأفكار وحلول للمشكلات ، تفضيلاً لإسهاماتهم ومقترحاتهم الخاصة ، واستبعاداً لاقتراحات الآخرين.
ففي ظل شعور القائد بمكانته ، وما تتيحه له هذه المكانة من سلطات ، وفرص أكثر للاختيار واتخاذ القرارات ، قد يسخر جهود فريقه لتحقيق أهدافه الخاصة. وقد يسلك بطريقة تترك انطباعاً لدي الأعضاء بأنه يستخدم أي اجتماع لخدمة نفسه ، وتحقيق أغراضه الشخصية. فهو عندما يطلب من الآخرين المساهمة بالأفكار لحل إحدي المشكلات ، أو التخطيط لسياسة الشركة وصياغة أهدافها ، فإنه يختار في النهاية الذي سبق له أن طرحه ، بعد نقد أفكار باقي الأعضاء. وإذا قبل أفكار غيره فإنه يختار من بين ما يطرحونه ما يروق له من حلول ، بما يلائم أهدافه ، دون وجود معيار واضح للاختيار. ويدرك أعضاء الفريق هذا السلوك كنوع من المناورة ، والتلاعب بهم لتحقيق أهداف ليست أهدافهم ويصبحون حساسين تجاه هذه التصرفات. وإذا ما أدرك الأعضاء القائد علي هذا النحو ، فإنهم يفقدون حماسهم للمشاركة الفعالة في حل المشكلة ، علي اعتبار أنها ليست مشكلتهم.
من ناحية أخري ، يجب علي القائد المبدع ألا يضع أي فرد في موقف المدافع عن نفسه ، فعليه أن يعطي كل عضو الفرصة الكاملة للتعبير عن أفكاره بحرية تامة دون قيد أو شرط ، كما عليه أن يبتعد عن كل ما يمكن أن يشوه صورة العضو عن ذاته ، فإن فعل ذلك ، فسوف يدفع بكل فرد أن يكرس جهوده للتأمل والتخيل وتوليد الحلول بدلاً من تكريسها للدفاع عن الذات.
ولأن الفهم يوفر الحد الأقصي من الأمان النفسي. فإن الإنصات يعد أهم وسائل القائد للوصول إلي فهم أفضل لأفكار الأعضاء. كما يهييء مناخاً تلقي في ظله كل فكرة الأعتناء اللازم. بما يحقق رضا الأعضاء ويشجعهم علي المشاركة الفعالة في المنافسة. فمن خلال الإنصات ، يؤكد القائد للأعضاء أن غايته هي فهم ما يدور في أذهانهم لا الحكم عليها.
وإذا كان أي اجتماع نموذجي يحوي ثلاث فئات من المشاركين في جلساته : وهم : القائد ، والخبراء ، والأعضاء ، فإن القاعدة التي يجب أن تحكم تفاعل هؤلاء معاً ، لضمان فعاليته هي ” أن يضع القائد نفسه في خدمة الجماعة ، وأن تكرس الجماعة جهودها لخدمة المشكلة ، أما الخبير ، فيجب أن تحترم آرائه متي يسرت فهم المشكلة ، دون جعلها قيداً علي حرية أعضاء الجماعة في التعبير عما يجول بخاطرهم من أفكار.